في بهو مركز “الأطراف الصناعية” بدمشق، جلس العشرات ينتظرون دورهم لترميم أرواحهم بعدما سلبت الحرب أجزاء من أجسادهم.
يجلس الشاب (خالد) وسط صف طويل من الكراسي المتصلة ببعضها، ويده اليمنى تلاعب عكازه الذي أضاف إليه لفائف من (الشاش) الأبيض، منتظرا دوره للحصول على طرف صناعي من الأطراف الـ 500، التي قدمتها الهند لضحايا الحرب في سوريا.
على مدى السنوات الخمس الأخيرة، لطالما أثقلت الأحلام صدر خالد بعدما فقد ساقه خلال معركة تحرير منطقة (جوبر) شرق العاصمة السورية دمشق.
في آذار 2017، اقتحم خالد مع رفاقه في طلائع الجيش السوري خطوط الدفاع الأولى، التي أنشأتها العصابات الإرهابية المسلحة في (الغوطة الشرقية)، ونجحوا باختراق عمق صفوف العدو إلا أن قذيفة (مضادة للدروع) غافلته لتودي بحياة رفيقه، وتسرق ساقه.
أمس، غير بعيد عن موقع المعركة التي انعطفت بحياته، جلس خالد إلى أحد مقاعد (معهد التأهيل المهني للأشخاص ذوي الإعاقة) في حي (مساكن برزة) بدمشق.
مع مرور الساعات منتظرا دوره لتركيب طرفه الصناعي الجديد، أحس خالد بالسكينة تتغلغل في جسده بدءا من ساقه المفقودة، لتتدفق المشاعر في رأسه بأنه بات اليوم أقرب -بما لا يقاس- إلى ذاك الـ (خالد) الذي كانه في تلك اللحظة حين فقد ساقه.
خلال الحرب، كان الجندي خالد يقيس الأيام بصباحاتها “فإن هي أشرقت الشمس عليك، إّذا أنت في يوم جديد لا تهم تفاصيله”، إلا أن إصابته حولت “الأيام إلى دقائق ولحظات ثقيلة”.
في حديثه لـ “سبوتنيك”، حاول خالد إقحام روحه المرحة محاولا اختصار ما لا يمكن اختصاره، وأكمل: “حسنا، نحن هنا الآن، فقدت ساقي في (جوبر) وها أنا استعيدها في (مساكن برزة).. لا يمكنني انتظار اللحظة التي سأعود فيها إلى العمل من جديد، كإنسان طبيعي”.
الخروج سيرا على الأقدام
في إطار الدعم المستمر الذي تقدمه جمهورية الهند لسوريا، بدأت أيام المعسكر الثاني “الهند للإنسانية” لتركيب الأطراف الصناعية لمصابي الحرب والأشخاص من ذوي الإعاقة.
وتستهدف المبادرة 500 سوري من فاقدي الأطراف السفلية، وتستمر على مدار 42 يوماً على التوالي بالتعاون بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الصحة السوريتين وبين السفارة الهندية وجمعية “التميز في كفالة اليتيم” وجمعية “خطوة” للأطراف الصناعية وجمعية “مهاوير” الهندية لتأهيل المعوقين.
وأوضحت رئيس الفريق الهندي الدكتورة ديمبل في تصريح لوكالة “سبوتنيك” أن “المشروع يأتي في إطار علاقات الصداقة والتعاون بين سورية والهند وأن الأطراف الاصطناعية المقدمة ذات جودة ونوعية عالية تمكن الأشخاص من العودة لحياتهم الطبيعية وممارسة مختلف الأنشطة حيث يتم استقبال حوالي 15 مصاب يومياً لأخذ القياسات وتركيب الأطراف المناسبة مشيرة إلى إمكانية استضافة المستفيدين الذين يأتون من محافظات السورية”.
وقالت ديمبل: “نشعر بفرح كبير عند رؤية المستفيدين من المبادرة وهم يخرجون سيرا على أقدامهم”.
بدورها أكدت أروى كلاس، طالبة في جامعة دمشق اختصاص هندسة طبية في تصريح لـ ” سبوتنيك”، المبادرة تساعد الكثير من الأشخاص الذين يصعب عليهم تأمين التكلفة المادية لتركيب طرف صناعي، مبينة أن المبادرو ستمنح أكثر من 500 مصاب على مدار 42 يوماً حيث أن تركيب الأطراف يتم وفق قوائم وبيانات أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتنسيق مع وزارة الصحة كما تقوم جمعيتا “خطوة” للأطراف الصناعية و”التميز لكفالة اليتيم” الأهليتان بأعمال الدعم اللوجستي التنظيمي والفني للفريق الهندي.
المبادرة التي تشرف عليها جمعية “مهاوير لتأهيل المعوقين” الهندية وصلت في يومها الأول إلى حوالي 20 مستفيدا، وتستمر لحوالي شهر ونصف للوصول إلى تركيب 500 طرف ومن الممكن أن تصل إلى 600 طرف.
من جهته أشار محمد شيخ حسين متطوع في جمعية “خطوة” لوكالة “سبوتنيك” إلى تطبيق التدريب العملي بالتعاون مع الكادر الطبي الهندي المختص من خلال الإشراف على العملية بشكل كامل منذ بداية الخطوات الأولى بأخذ القياس القالب والتصميم والتركيب،الأمر الذي سغير مصير الكثير بمنحى حياتهم وسيمكنهم من إعالة أسرهم مجددا.
ومن المستفيدين من المبادرة بيومها الأول المصاب خالد يقول لـ ” سبوتنيك ” فقدت ساقي في معركة جوبر بريف دمشق وبفضل المبادرة تمكنت من تركيب طرف سفلي على أمل أن أعود للعمل من جديد .
يذكر أن خدمة تركيب الأطراف الصناعية توفر مجانا في سورية عبر مراكز لوزارة الصحة والخدمات الطبية العسكرية ومنظمة الهلال الأحمر العربي السوري وجمعيات أهلية.
التعليقات مغلقة.