الإثنين, 23 ديسمبر 2024 | 12:33 مساءً

الكانارى اليونانى فى منجم الذهب العالمى

بقلم: يانيس فاروفاكيس

وزير المالية اليونانى السابق

يثبت اليوم البلد الذى أصبح اسمه مرادفاً للإفلاس فى منطقة اليورو أنه كنز دفين بالنسبة للبعض، كما أصبح لدى التجار الذين اشتروا الأصول اليونانية قبل بضع سنوات سبب وجيه للاحتفال بعد حصولهم على عوائد بنكية لا يمكن لأى سوق أخرى تقديمها.

ولكن كما هو الحال غالباً، ربما تبدو هذه الفرصة جيدة للغاية، وربما تشكل نذيراً للمرحلة المقبلة من أزمة عالمية.

وحصل المستثمر الذى اشترى سندات الحكومة الألمانية فى عام 2013، حتى الآن، على عائد نسبته 7%، بينما كان يمكن لمشترى سندات الحكومة اليونانية الصادرة فى ذروة أزمة الديون التى عانت منها البلاد عام 2012 تحقيق عائدات هائلة تبلغ 231%.

وقبل شهرين، ارتفع سعر أول سند لأجل 10 أعوام، الذى صدر منذ إنقاذ اليونان فى عام 2010، لسبعة أيام متتالية، ليصل إلى 2.8% فى أسبوع واحد، وهو أفضل أداء بالمقارنة بأى سندات حكومية أخرى فى العالم، ما أدى إلى خلق تيار دفع سوق الأوراق المالية فى أثينا خلال اﻷشهر اﻷخيرة للارتفاع بنسبة 26%، على خلفية سوق الأصول الأوروبى الذى ينزف رأسماله بلا رحمة.

وفى ظل قوة هذه الأرقام المثيرة للإعجاب، من المغرى بقدر ما يكون من الخطأ التبشير بنهاية أزمة اليونان، خاصة أن ارتفاع السندات والأسهم اليونانية يحجب فجوة متزايدة بين الواقع الاقتصادى القاتم والمناخ المالى المزدهر بشكل غير مستدام.

وبدلاً من أن يعكس ذلك تعافى اليونان، تعكس هوامش الربح العالية للمتداولين استمرار الضغوط الانكماشية وانقسام أوروبا ضمن بيئة عالمية تنخفض فيها القدرة على تحمل الديون بشكل مستدام.

وربما تثبت هذه البيانات الصادرة من اليونان، والتى تعد بيانات مثيرة للغاية بالنسبة للمستثمرين على نطاق واسع، دليلاً على متاعب جديدة بالنسبة لاقتصاد أوروبا، وربما للعالم أيضاً.

وبالنظر إلى الفجوة الهائلة بين الدخل القومى الاسمى لليونان وديونها العامة، كيف يمكن أن ترتفع السندات اليونانية؟ ولماذا يرتفع سوق اﻷوراق المالية فى أثينا بينما يعانى قطاع الأعمال من الضرائب العقابية، وتعمل البنوك فى ظل جبل من القروض المتعثرة، كما أن انخفاض معدلات البطالة لا يعكس سوى الهجرة وبعض الوظائف غير المستقرة، وصافى الاستثمار العام السلبى وغياب الاستثمار الخاص فى إنتاج السلع ذات القيمة المضافة العالية؟

ويكمن السبب فى قفزة القط الميت، أى ما يعنى انتعاشاً مؤقتاً بعد انكماش طويل، فبالنظر إلى مدى ضعف سوق الأسهم اليونانى، الذى يبلغ إجمالى رأسماله 52 مليار يورو، كان التدفق المتواضع لرأس المال الذى جاء عقب ارتفاع السندات كافياً لدفع المؤشر للارتفاع بنسبة 26%، ولكن رغم هذه الطفرة، لا يزال السوق اليونانى أقل بنسبة 81% عن مستواه عام 2009.

أما بالنسبة لارتفاع السندات، فسرعان ما يختفى الغموض بمجرد تذكر كيف ساعدت أول عمليتى إنقاذ فى تحويل الدين العام اليونانى من القطاع الخاص إلى دافعى الضرائب فى أوروبا.

وطالما أن الحكومة اليونانية تخضع للسلطات الأوروبية، فلا يمكن للمتداولين خسارة المال على سندات تصدرها بأسعار فائدة تزيد على 3%، فى وقت تحوم فيه عوائد السندات الألمانية بالقرب من الصفر.

ويصمم معظم المعلقين على التفاؤل، مشيرين، على سبيل المثال، إلى أن متوسط استحقاق الديون اليونانية وصل إلى 26 عاماً، وهو ما يتناقض بحدة مع 7 أعوام فى إيطاليا وإسبانيا و10 أعوام للبرتغال، ما يتيح لاقتصاد اليونان فرصة التعافى بصورة جيدة، ولكنهم يتجاهلون شروط التقشف المستحيلة التى يربطها دائنو اليونان بهذا التمديد؛ حيث ستضطر الشركات اليونانية للاستمرار فى دفع 75% فى المتوسط من أرباحها للحكومة، بما فى ذلك مساهمات الضمان الاجتماعى، بينما لا يزيد العبء الضريبى الإجمالى فى دولة الجوار بلغاريا على 22%.

باختصار، تحولت اليونان من نقطة بداية انفجار أزمة منطقة اليورو وأفضل مثال على سوء الإدارة من قبل سلطات الاتحاد الأوروبى، إلى مثال جيد لكيفية تغلب الوفرة المالية على البؤس الاقتصادى.

ويوجد جانب أكثر إثارة للقلق فى هذا التباين، وهو أن المتداولين الساعين لتحقيق أرباح ليسوا مخطئين فى السعى لاقتناص أصول ورقية لبلد يغرق، فهم يعتقدون – من منظورهم قصير اﻷمد – أنها لعبة لا تقاوم، ولكن من الخطأ وربما الطيش استنتاج وجوب تحسن الواقع اﻷساسى؛ نظراً إلى إمكانية تحقيق هؤلاء المتداولين أرباحاً هائلة من اﻷصول اليونانية.

وبعد عام 2008، أصبحت اليونان ترمز إلى فشل الرأسمالية العالمية فى تحقيق التوازن بين التدفقات الائتمانية والتجارية، أما اليوم، وفى ظل تزايد عدم التطابق العالمى بين الواقع الاقتصادى والعوائد المالية أصبح هناك خطر واضح من احتمالية أن اليونان تنذر مرة أخرى بمرحلة جديدة من الأزمة العالمية.

 

 

 

“المصدر: موقع “بروجيكت سنديكيت

التعليقات مغلقة.