في المستقبل؛ قد تبدو المستشفيات مختلفة تماما عن مستشفيات اليوم .. حيث إنه من المتوقع أن تؤدي التطورات التكنولوجية السريعة والنزعة الاستهلاكية المتزايدة، وكذلك التغيرات الديموغرافية والاقتصادية، إلى تغيير النمط التقليدي للمستشفيات في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من أنه في الوقت الحالي يتم بالفعل محاولة تقديم عدد من خدمات الرعاية الصحية التي يتم تقديمها للمرضى داخل المستشفيات بحيث يتم تقديمها للمريض داخل المنزل؛ إلا أنه هناك العديد من الحالات المرضية المعقدة والحرجة التي ستحتاج إلى الاستمرار في الحصول على خدمات الرعاية الصحية داخل المستشفيات.
ومع تقادم البنية التحتية في بعض الدول واحتياج بعض المستشفيات إلى زيادة عدد الأسرّة بها في بعض الدول الأخرى، ينبغي على المديرين التنفيذيين في المستشفيات والحكومات النظر في إعادة التفكير في كيفية تحسين الخدمات الطبية التي تقدم للمريض سواء المقيم داخل المستشفى أو المريض الذي يتلقى العلاج في منزله، وكيفية التواصل بشكل أفضل مع العملاء، وكيفية دمج التقنيات الرقمية في خدمات المستشفيات التقليدية لإنشاء نظام صحي بدون معوقات.
ولمعرفة ما ستكون عليه المستشفيات في المستقبل، أجرى مركز ديلويت للحلول الصحية محاكاة تم الاستعانة فيها ب 33 خبير من مختلف المجالات في جميع أنحاء العالم. وكان من ضمن المشاركين في تلك المحاكاة عدد من الأخصائيين في مجال الرعاية الصحية والعديد من القيادات في مجالات الطب والتمريض وبعض القادة السياسيين وعدد من الباحثين في العلوم التكنولوجية وعلوم المستقبل. وكان الهدف من تلك المحاكاة هو التوصل إلى السمات المحددة لتصميم المستشفيات الرقمية على مستوى العالم في غضون 10 سنوات (وهي الفترة التي يمكن أن توفر لمديري المستشفيات ومجالس الإدارات الوقت الكافي للاستعداد).
وقد تم الاعتماد في تلك المحاكاة على خمسة أقسام رئيسية؛ وهي:
• إعادة تعريف مفهوم تقديم الرعاية الصحية:
ستقوم بعض السمات التي ظهرت مؤخراً في مجال الرعاية الصحية؛ مثل المراكز الرقمية المركزية التي تساهم في سهولة اتخاذ القرار، والمراقبة السريرية المستمرة، والعلاجات المستهدفة (مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد للعمليات الجراحية)، واستخدام الأجهزة المحمولة الصغيرة، ستقوم تلك السمات بالمساعدة في توصيف مستشفيات الرعاية التي تتسم بالقوة والتكامل.
• تجربة التكنولوجيا الرقمية للمريض:
يمكن لتقنيات التكنولوجية الرقمية والذكاء الاصطناعي المساعدة في سهولة التفاعل بين المريض والمستشفى وتيسير إجراء العمليات من خلال اختيار الأجهزة لتحسين تجربة المريض.
• المساعدة في تنمية القدرات:
يمكن أن تقوم العمليات التي تتم عن طريق الإنسان الآلي والذكاء الاصطناعي بمساعدة مقدمي خدمة الرعاية الصحية في قضاء وقت أطول في توفير الرعاية ووقت أقل في قضاء الأعمال المكتبية؛ كما تساعد في تنمية وتطوير مهارات التعلم بين مقدمي الرعاية الصحية.
• الكفاءة التشغيلية من خلال التكنولوجيا:
ستساعد سلاسل التوريد الرقمية والتشغيل الآلي في تطوير إمكانية أداء العمل من خلال مكاتب الدعم الفني (Back- office).
• تطوير التصميمات الخاصة ببرامج الشفاء والرفاهية:
إن البرامج الخاصة برفاهية المرضى وأعضاء أطقم الفرق الطبية؛ مع التركيز على أهمية بيئة العمل المحيطة والخبرة في آليات الوصول إلى مرحلة الشفاء، ستكون من الركائز الأساسية في التصاميم الخاصة بمستشفيات المستقبل.
ستكون التكنولوجيا في الأغلب هى العنصر الداعم لمعظم جوانب الرعاية الصحية في المستشفيات في المستقبل، ولكن تقديم الرعاية – خاصة للمرضى من ذوي الحالات الحرجة وفى ظل الإجراءات المعقدة – لا يزال يتطلب الوجود الفعلي للعنصر البشرى.
ويمكن للعديد من الوسائل التكنولوجية المستقبلية أن تكمل التفاعل البشري وتوسع نطاقه وينبغي أن يخطط المديرون التنفيذيون في المستشفيات لكيفية دمج التكنولوجيا في المرافق التي يتم بناؤها حديثاً وكذلك تطوير المرافق القديمة.
كما يتعين عليهم كذلك صياغة استراتيجية ملائمة والتي من شأنها إرساء الأساس للاستثمارات المستقبلية في تقديم الرعاية الصحية وتنمية القدرات البشرية وإدارة البيانات والأمن الإلكتروني.
وقد أوضحت المحاكاة التي أجراها مركز ديلويت للحلول الصحية أنه يمكن أن يكون لدى المستشفيات في المستقبل مراكز قيادة تزود صناع القرار بأدوات الدعم في الوقت اللازم لمساعدتهم على اتخاذ قرارات تخص النواحي العلاجية أو تشغيلية بشكل أسرع.
كما ألقت المحاكاة الضوء على الصعوبات التي تعيق وجود مراكز القيادة المشار إليها أعلاه في المستشفيات؛ حيث يعود ذلك إلى:
- أن البيانات الرقمية هي أساس هذه المراكز، ولازال هناك العديد من المستشفيات التي لم تقم بعد بتطبيق أو استخدام التقنيات الرقمية.
- تميل الأقسام الإدارية في المستشفيات إلى العمل في خنادق مغلقة بمعنى أنها تقوم بإنتاج عدد كبير من البيانات والتي تتسم في ذات الوقت بكونها بيانات سرية، ومن ثم يكون من الصعب جمعها، وترتيبها، واستخدامها لاتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ.
غير أنه من المتوقع أن يتغير هذا الوضع حيث تساعد التقنيات الرقمية الناشئة أن تخلق طرقاً جديدة لمراقبة المرضى باستمرار ودمج البيانات لرسم المسارات الخاصة بالمرضى والوحدات التشغيلية.
على سبيل المثال، يمكن وضع الأجهزة القابلة للارتداء وأجهزة الاستشعار الدقيقة بالقرب من المرضى وفي المواقع التي يرتادها المرضى (مثل دورات المياه) حيث يوجد خطر سقوط المرضى أو فقدان الوعي المفاجئ أو غيرها من المخاطر .
كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يرصد البيانات باستمرار لتنبيه القائمين على وحدات التشغيل في المستشفيات ومقدمي الرعاية الصحية، مما يتيح رعاية أكثر كفاءة ونتائج أفضل من خلال تحليلات البيانات الضخمة، كما يمكن أيضاً التنبؤ بأي تدهور في صحة المريض قبل حدوثها، ويمكن كذلك إضافة المقترحات الخاصة بمقدمي الرعاية الصحية.
وفى الوقت الراهن توجد مراكز القيادة هذه في بعض المستشفيات، غير أنه من المتوقع الاعتماد عليها بصورة أوسع في السنوات المقبلة.
الرعاية الصحية المتنقلة
يمكن لمجموعة من التطورات التكنولوجية الجديدة، بما في ذلك الطباعة ثلاثية الأبعاد، والروبوتات، وتكنولوجيا النانو، والترميز الوراثي، والخيارات العلاجية أن تسمح برعاية المرضى الأكثر احتياجا وإتاحة الوصول إليهم. ومن ثم فإن تأثير التكنولوجيا المتطورة على منظومة الرعاية الصحية يظهر على النحو التالي:
• أصبحت العديد من الأجهزة والمعدات أصغر حجما وأكثر قابلية للحمل، والعلاجات من المرجح أن تصبح أكثر استهدافا – وكلها يمكن أن تجعل الرعاية الصحية في المستقبل أكثر دقة.
• زيادة كفاءة الموظفين والعمليات وتحسين نتائج المرضى، حيث سيتمكن الأطباء السريريون من العثور بسرعة على أفضل خيار للعلاج بدلاً من تجربة عدة علاجات مختلفة.
• سيتم تحديد الأدوية بشكل أكثر دقة على أساس الملف الوراثي للمريض واستخدام الطب الدقيق، كما سيتم تصميم الأطراف الاصطناعية البديلة عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد.
• مع صغر حجم المعدات الطبية وأجهزة الاستشعار، قد يتمكن الأطباء من إجراء اختبارات وإجراءات مختلفة على المريض بدون تنقله إلى اماكن مختلفة داخل المستشفى.
• يمكن استخدام الروبوتات لتوصيل الأدوية للمرضى.
• تصميم غرف المرضى لتشمل المزيد من خيارات المعدات، أو يمكن نقل المعدات بسهولة إلى المريض أو استخدام المستشفيات المتنقلة إلى المريض.
• ستصبح التدخلات الطبية أقل ، مما يؤدي إلى نتائج أفضل وسرعة في التعافي مما سينعكس على التوفير في علاج المرضى .
• سيؤدى الذكاء الاصطناعي إلى تحقيق مستويات أعلى من الكفاءة في العمليات وتحسين عملية صنع القرار اللازمة لتعزيز الجودة.
• دمج البيانات بشكل أفضل في الرعاية اليومية، كما سيتيح للمرضى أن يلعبوا دورًا في تنظيم بياناتهم الخاصة. وبالتالي، فإن الحصول على بيانات المريض الشاملة في الوقت الحقيقي في مرحلة الرعاية سيؤدى إلى تحسين نتائج المرضى مما يعني أن مشاركة البيانات الموحدة من المرجح أن تكون جزءًا من تقديم الرعاية في المستقبل. ويمكن أن تتضمن هذه البيانات معلومات عن تاريخ الأمراض الوراثية والتاريخ الاجتماعي والسلوكي للمريض، فضلاً عن السجلات المالية والسريرية والإدارية.
• يمكن تخزين البيانات بشكل آمن في وحدة تخزين متصلة بالإنترنت والوصول إليها على أساس الحاجة ويمكن أن يوفر هذا الاجراء الوصول إلى البيانات بسهولة وأمان من مواقع وأجهزة متعددة، والحفاظ على البيانات بتكلفة أقل من خيارات التخزين الحالية.
• ستتمكن المستشفيات في المستقبل من تعليم المرضى وتثقيفهم بشكل أفضل والتخفيف من قلقهم، كما ستمكنهم كذلك من المشاركة بنشاط في الرعاية قبل وأثناء وبعد الإقامة في المستشفى.
دور الاتحاد المصري للتأمين
في إطار سعى الاتحاد المصري للتأمين على مناقشة كافة القضايا الخاصة بالتأمين وكذلك حرص التعاون مع كافة الجهات والهيئات المحلية والإقليمية والعالمية المعنية بصناعة التأمين من أجل الارتقاء بتلك الصناعة وزيادة نسبة مساهمتها في الاقتصاد الوطني، فقد قام الاتحاد المصري للتأمين بتخصيص جلسة من جلسات الملتقى السادس للتأمين الطبي والرعاية الصحية والذي عقد خلال الفترة من 11- 12 أكتوبر 2020 تحت عنوان
( الجديد في الحلول الذكية والذكاء الاصطناعي والميكنة لدعم منظومة التأمين الصحي الشامل وربطها بمقدمي الخدمات وشركات التأمين )
برئاسة السيد المهندس/ سعد جاد، مستشار رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل لشئون الميكنة ونظم المعلومات.
حيث تناولت الجلسة المفاهيم التكنولوجية المرتبطة بالتأمين والتي من شأنها أن تسهم في مساعدة الشركات في تقديم الخدمة التأمينية بكفاءة أعلى وبتكلفة أقل. كما تم إلقاء الضوء على ضرورة توفير منصة إلكترونية لمعالجة وتبادل البيانات بين شركات التأمين والرعاية الصحية من جانب والجهات الحكومية من جانب آخر لإنجاح منظومة التأمين الصحي الشامل. كما تم إيضاح أن أبرز تحدى يواجه المنظومة الصحية في مصر سواء كانت تابعة للدولة عبر التأمين الصحي الحكومي الشامل، أو القطاع الخاص من شركات تأمين وشركات رعاية صحية هو توافر منصة لتبادل المعلومات والبيانات.. ومن ثم فإن الحلول التكنولوجية ستسمح بإدراج آلاف مقدمي الخدمات من مستشفيات ومعامل تحاليل ومراكز أشعة وغيرها، على المنصات الإلكترونية ومعالجة بياناتهم وربطها مع شركات التأمين وهيئة التأمين الصحي الحكومي الشامل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود تلك المنصة من المتوقع أن يساعد شركات التأمين في التسعير ووضع قسط لخدمات محددة لدى شريحة معينة من مقدمي الخدمات وفقاً لتصنيف ودرجة خدمة مقدمي الخدمات، مع ربط مقدمي الخدمات بشركات التأمين وقاعدة عملاء التأمين الطبي لدى الشركات.. حيث إن إتاحة البيانات عبر منصة إلكترونية تساعد في اتخاذ القرار لدى الجهات المختلفة بهدف تنسيق تبادل البيانات فيما بينها. كما أن التعاقد بين شركات التليفون المحمول وبين منظومات التأمين الصحي أمر شائع على مستوى العالم.
كما تم إلقاء الضوء أيضاً على أن التقنيات التكنولوجية الحديثة أثرت في منظومة التأمين الطبي والرعاية الصحية عالمياً.. حيث أن حجم الخدمات الطبية عن بعد بلغت 147 بليون دولار خلال العام الماضي، ومتوقع نموها إلى 234.5 مليار دولار بحلول 2023. كما أن حجم هذه الخدمات الطبية عن بعد بأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط بلغت حوالي 3.48 مليار دولار خلال العام الماضي، متوقعاً بلوغها حوالي 5.2 مليار دولار بحلول عام 2025، وذلك وفقاً لإحدى شركات الأبحاث.
التعليقات مغلقة.