على مدار السنوات الماضية كان منحنى العائد بين سندات الخزانة الأمريكية، مؤشرًا على الوضع الاقتصادي العالمي، ونذيرًا بأن حالة ركود اقتصادي في الطريق إلى العالم إذا انقلب.
وعلى مدار يومي الأربعاء والخميس الماضيين هوت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عاما إلى مستويات قياسية وتراجعت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين إلى أدنى مستوى في حوالي عامين.
التراجع تسبب في انقلاب منحنى العائد بين سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الآجل (عامين) وطويلة الآجل (10 سنوات) للمرة الأولى منذ عام 2007، وهو ما يعطي إشارة باحتمالية حدوث ركود اقتصادي.
ما هو منحى العائد المقلوب؟
يعني انقلاب منحنى العائد أن سعر الفائدة على أدوات الدين طويلة الأجل يصبح أقل من العائد على أدوات الدين قصيرة الأجل، على عكس الوضع الطبيعي، ويعتبر مؤشرًا لاقتراب الدخول في ركود اقتصادي.
وتعود أهمية هذا المنحنى إلى أنه تاريخيًا سبق انعكاسات أو انقلابات منحنى العائد العديد من فترات الركود الاقتصادي في أمريكا، وهو ما ينظر له بأنه توقع دقيق لنقاط التحول في دورة الاقتصاد.
وقبل فترات الركود الاقتصادي، على مدار السنوات الماضية كان المنحنى ينقلب، وهو ما حدث في معظم الأزمات الاقتصادية التي تعرض لها الاقتصاد الأمريكي وأخرها قبل الأزمة الاقتصادية في 2008.
وفي 2008 أندلعت أزمة مالية كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تمتد إلى بقية الدول العالم.
هل نحن مقبلون على أزمة اقتصادية؟
تقول التجارب التاريخية السابقة نعم، كما أن المؤشرات الاقتصادية العالمية تشير إلى ذلك.
ووفقًا لمسح أجرته الرابطة الأمريكية لاقتصاديات الأعمال وأعلنت عن نتائجه أمس، توقع 34% من الاقتصاديين تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وميله للركود في عام 2021.
وتعتبر هذه النسبة أعلى من نسبة 25% التي توقعت حدوث ذلك في استطلاع أُجري في فبراير الماضي، ويتوقع 2% ممن شملهم المسح أن يبدأ الركود هذا العام، بينما يتوقع 38% حدوثه في عام 2020.
وقد يدعم رأي المتوقعين بحدوث ركود، حالة عدم الاستقرار التي تعانيها الأسواق العالمية جراء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فضلًا عن البيانات الاقتصادية غير المطمئنة الواردة من ألمانيا، وكذلك المخاوف حول خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
ويقول مارك زاندي، كبير المحللين الاقتصادين بموديز، إن الركود القادم سيكون من النوع العادي ولا يشبه “الركود العظيم”.
ويضيف زاندي لموقع USA Today أن النظام البنكي مرتبط بشكل قوي، كما أن القروض العائلية مناسبة، ولذلك فإن الركود سيكون من النوع الشائع ولا يشبه الركود العظيم.
وتوقع زاندي أن يظل الركود خلال فترة من 6 شهور إلى 12 شهرًا، كما أن نسبة البطالة سوف ترتفع من 2 إلى 3%.
لكن على العكس من ذلك هناك محللون أخرون يقللون من إمكانية حدوث أزمة رغم المخاطر الاقتصادية التي تحيط بالعالم.
أول أولئك الذين يستبعدون حدوث ركودًا اقتصاديًا، الإدارة الأمريكية نفسها، فعلى مدار الأيام الماضية كان البيت الأبيض يقلل من مخاوف حدوث ركود اقتصادي مع انعكاس منحنى عائد السندات الحكومية.
“الاقتصاد الأمريكي قوي، ولا يوجد أي إشارة على حدوث ركود”، هكذا غرد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”.
كما أجرى وزير التجارة الأمريكي ويلبر روس مقابلة مع محطة فوكس بيزنس أمس قال فيها: “في نهاية المطاف سيحدث ركود لكن هذا الانقلاب لا يُعول عليه، مثلما يعتقد الناس”.
وقال كبير المستشارين التجاريين للبيت الأبيض بيتر نافارو، “قبل مجيئي إلى البيت الأبيض، أمضيت الجزء الأفضل من 20 عاماً في التنبؤ بدورات الأعمال وأسواق البورصة، وما يمكنني قوله لكم بيقين هو أنه سيكون لدينا اقتصاد قوي حتى عام 2020 وما بعده”.
ويقلل الخبير الاقتصادي العالمي، محمد العريان في مقال له على وكالة أنباء بلومبرج الأمريكية، من رد فعل الأسواق المالية على انقلاب منحنى العائد، حيث وصفه بالمبالغ فيه.
وهوت الأسواق المالية الأمريكية والأوروبية يومي الأربعاء والخميس بعد انقلاب منحنى عائد السندات الحكومية الأمريكية.
وتوقع العريان أن يعاود المنحنى الارتفاع مجددًا في الأسابيع والشهور المقبلة، مشيرًا إلى أن هناك أسبابًا أخرى لانقلاب المنحنى بخلاف الركود الوشيك في الولايات المتحدة.
وستتضح الأمور أكثر بشأن إمكانية حدوث ركود، بحلول يوم الجمعة المقبل عندما يعقد مجلس الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي” اجتماعه السنوي.
“في هذه اللحظة من الوقت ستكون قاعة جاكسون- حيث يعقد الاحتياطي الفيدرالي اجتماعه- مهمة، لأن هناك الكثير من الأسئلة حول فاعلية البنوك المركزي”، هذا ما تقوله سيما شاه، المحللة الاقتصادية، لوكالة بلومبرج.
وتضيف: “واحد من أسباب الذعر حول عودة الركود، هو أنهم يعلمون أن الفيدرالي الأمريكي استنفذ جميع أوراقه”.
وحث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يدرس خفض أسعار الفائدة 1% ودعا إلى “بعض التيسير الكمي” مع مواصلته الضغط على البنك المركزي.
وتقول وكالة بلومبرج إن خفض الفائدة سيساهم في تراجع الفائدة على السندات قصيرة الأجل.
وقد يكون هذا سببًا في عودة منحى العائد إلى طبيعته ومن ثم طمأنة المستثمرين من عدم وجود أي ركود.
التعليقات مغلقة.