بدأت هيئات البريد في تقديم الخدمات المالية منذ أكثر من 150 عاماً حيث تم فتح أول حساب بريدي في عام 1861 في المملكة المتحدة. وقد شكل التأمين جزءاً من الخدمات المالية التي تقدمها هيئات البريد على مر التاريخ ففي عام 1884 قامت هيئة بريد الهند بتقديم مشروعاً تأمينياً يستهدف التأمين على موظفيها، ثم اتسع النطاق الخاص بهذا المشروع التأميني ليشمل الموظفين العاملين في المؤسسات العامة للدولة بعد أربعة سنوات أي عام 1888.
وتركز هذه النشرة على دور هيئات البريد عالمياً على تحقيق استراتيجيات الشمول المالي، من خلال ما بات يعرف بالتأمين البريدي Postassurance على غرار التأمين المصرفي Bancassurance.
ولأغراض هذه النشرة يمكن تعريف التأمين البريدي بأنه:
“توفير منتجات وخدمات التأمين والخدمات المالية البريدية من خلال قناة توزيع مشتركة و / أو لنفس قاعدة العملاء “.
وتشمل النشرة المحاور الأتية:-
1. هيئات البريد والشمول المالي
2. هيئات البريد والشمول التأميني
3. الفرص والتحديات في مجال التأمين البريدي
4. نماذج الأعمال والمشاركة بين هيئات البريد وشركات التأمين
5. تجارب عالمية في مجال التأمين البريدي
هيئات البريد والشمول المالي
وفي العصر الحديث أصبح لهيئات البريد دوراً فاعلاً ومحورياً في تحقيق استراتيجية الشمول المالي وهذا بسبب قدرات هيئات البريد في هذا المجال، وقد شغل الشمول المالي هيئات البريد على المستوي الدولي وباتت هناك تجارب عديدة في هذا الصدد سوف نستعرضها لاحقاً.
تعريف الشمول المالي
عرفت مجموعة العشرين G20 ومؤسسة التحالف العالمي للشمول المالي Alliance of Financial Inclusion (AFI) الشمول المالي بأنه
“تعزيز وصول واستخدام كافة فئات المجتمع وبما يشمل الفئات المهمشة والميسورة للخدمات والمنتجات المالية التي تتناسب مع احتياجاتهم بحيث تقدم لهم بشكل عادل وشفاف وبتكاليف معقولة”.
كما عرف البنك الدولي الشمول المالي بالتفصيل اللاحق:
“يعني الشمول المالي أن الأفراد والشركات لديهم إمكانية الوصول إلى منتجات وخدمات مالية مفيدة وبأسعار ميسورة تلبي احتياجاتهم- المعاملات والمدفوعات والمدخرات والائتمان والتأمين- ويتم تقديمها لهم بطريقة تتسم بالمسؤولية والاستدامة ، ويعد الوصول إلى المعاملات هو الخطوة الأولى للشمول المالي بشكل أوسع لأن حساب المعاملات يسمح بادخار المال، وإرسال المدفوعات واستلامها كما يمكن أيضا أن يكون حساب المعاملات بمثابة بوابة لخدمات مالية أخرى”
ومما لا شك فيه أن صناعة التأمين تلعب دوراً محورياً في تحقيق الشمول المالي من خلال تحقيق الشمول التأميني بمعني وصول الخدمات التأمينية بالشكل المناسب وهذا على خمسة محاور وهي:
1. تطوير منتجات ونماذج أعمال لتأمين محدودي الدخل (التأمين متناهي الصغر).
2. ابتكار قنوات توزيع وشركات استراتيجية تسمح بالوصول إلى الطبقات المهمشة اقتصادياُ ومالياُ.
3. التسعير بطريقة تناسب عمليات البيع على نطاق واسع.
4. دعم التحول الرقمي لاسيما بعد دروس أزمة الفيروس التاجي المستجد.
5. التركيز على الوعي التأميني وتثقيف العملاء.
التأمين البريدي (الفرص – التحديات)
الفرص
وتمتلك هيئات البريد على مستوي العالم إمكانيات متميزة في خدمة تلك الشريحة وهذا للأسباب الأتية:
1. هناك فئات سوقية مهمشة مالياً Financially Marginalized وقد قدرت هيئة اللويدز حجم السوق غير المخدوم من القطاع المالي على أساس من 1.5-3 بليون نسمة، مما يعني وجود فجوة تأمينية تمثل فرصة وجود سوق واعدة لهيئات البريد التي تستهدف تحقيق استراتيجي الشمول المالي في صناعة التأمين.
2. الانتشار الجغرافي لهيئات البريد لاسيما في القري والنجوع والمناطق الريفية والحدودية المنعزلة فعلي سبيل المثال تبلغ مكاتب البريد في جمهورية مصر العربية 4000 مكتب بريد على مستوي الجمهورية، أما في الهند فيتعدى عدد مكاتب البريد 155 الف مكتب بريد.
3. الفهم المتعمق لاحتياجات العملاء في مختلف المناطق الجغرافية بسبب خبرات هيئات البريد الطويلة في تقديم الخدمات المالية لقطاعات عديدة من العملاء على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
4. ميل فئات معينة للخدمات المالية البريدية لا سيما محدودي الدخل وكبار السن وسكاني المناطق الريفية والفئات الأقل تعليماً، لاستخدام الأوعية الادخارية والخدمات المالية لهيئات البريد على مستوي العالم حيث تتمتع بالموثوقية وإمكانية الوصول إلى العملاء كما إنها لا تتسم بالتعقيد مثل الخدمات المصرفية التقليدية.
ويتميز البريد المصري بدرجة ثقة عالية بسبب خبرته الطويلة منذ عام 1865 وانتشاره الجغرافي وملكيته العامة، وكذلك تميز عوائد الأوعية الادخارية التي تقدمها الهيئة القومية للبريد، وقد البريد المصري في الآونة الأخيرة طفرة حقيقية في نوعية الخدمات التي تساهم بشكل كبير ومباشر في تنفيذ خطط الدولة الرامية إلى تحقيق التنمية والتوسع في توفير الخدمات المالية الرقمية في إطار استراتيجية الدولة لتحقيق الشمول المالي والعمل على تحقيق الشمول التأميني ضمن هذه الاستراتيجية.
التحديات
تعمل بعض شركات التأمين بالفعل مع مكاتب البريد لتوزيع منتجاتها. وقد اتسمت بعض تجارب التعاون هذه بالنجاح منقطع النظير إلا أن البعض الآخر قد واجه بعض العقبات التي حالت دون تحقيق شركات التأمين وهيئات البريد أهدافهم المشتركة.
من الضروري التعرف على بعض التحديات التي تواجه هيئات البريد العالمية في تحقيق استراتيجيات الشمول المالي وأهمها: –
1. عدم التوافق بين نموذج العمل المختار والخصائص التي يتمتع بها كل من الطرفين وتوقعاتهما.
2. عدم وجود خبرات متراكمة في البيع التفاعلي لدي هيئات البريد
3. عدم كفاية البنية الأساسية لنظم وتكنولوجيا المعلومات في بعض انحاء الشبكة.
ومازال الشمول التأميني يمثل تحدياً قوياً أمام هيئات البريد العالمية فعلى حين أن نسبة قدرها 91% من هيئات البريد العالمية تقدم خدمات مالية ، فإن نسبة الهيئات التي تقدم منتجات وخدمات تأمينية هي 38% عالميا ، 39% في الدول المتقدمة ، 34% في الدول النامية . بالرغم من وجود نسب اختراق مرتفعة في العديد من الدول فقد استطاع البريد الياباني ادماج 38 مليون عميل في خدمات الـتأمين البريدي في مقابل 30 مليون بالهند
الشكل البياني رقم (1): نسبة مكاتب البريد التي تقدم خدمات تأمينية على مستوي العالم
نماذج الأعمال والشراكة
بالرغم من وجود عدة نماذج للعمل المشترك بين هيئات البريد وشركات التأمين على مستوي العالم، فإنه لا يمكن الجزم بوجود نموذج يصلح لكافة الدول والمواقف بل إن اختيار النموذج الأمثل هو أمر يخضع للعديد من الاعتبارات أهمها الأهداف ومدي اتساع استراتيجية الشمول المالي وفلسفة هيئة البريد الإدارية والإمكانيات المتاحة
وتشمل نماذج الأعمال المتاحة عالميا الأشكال الآتية:
• نموذج الوكالة – تقوم هيئة البريد بتحصيل أقساط التأمين ودفع المطالبات المستحقة وإصدار وثائق التأمين نيابة عن شركة تأمين واحدة أو عدة شركات. تستخدم العديد من هيئات البريد بالفعل نموذج الوكالة، مما يتيح لعملائها إمكانية الوصول إلى مجموعة متنوعة من الخدمات المالية من مقدمي الخدمات الآخرين (مثل الخدمات المصرفية وتحويلات الأموال). في هذا النموذج، يجعل البريد بنيته التحتية وموظفيه متاحين لشريك واحد أو أكثر في مقابل رسوم لكل معاملة تتم معالجتها بواسطة البريد.
ومن وجهة نظر البريد، يعد هذا النموذج هو الأسهل في التنفيذ، حيث يتطلب الحد الأدنى من الاستثمار البشرى والمالي. علاوة على ذلك، فإن الإطار التنظيمي للبريد عادة ما يستوعب بالفعل عقود الوكالات مما يسمح للبريد بالعمل كوكيل للمؤسسات المالية وغيرها من المؤسسات. ولهذه الأسباب، فإن نموذج شراكة الوكالة هو النموذج الأكثر شيوعاً الذي يتم من خلاله تقديم خدمات مالية.
تنظر شركات التأمين إلى هيئات البريد في هذا النموذج باعتبارها حل للعمليات في المرحلة النهائية. و في السياقات التي لا تستطيع فيها شركات التأمين الاستفادة من الشبكة المصرفية أو شبكة التمويل الرقمية، يمكن أن تكون هيئات البريد بديلاً قابلاً للتطبيق لهذه الشركات لتقليل التكاليف المرتفعة لتحصيل الأقساط ودفع المطالبات وإصدار الوثائق الجديدة.
• نموذج شراكة كاملة – تقوم هيئة البريد بتقديم المنتجات التأمينية بالشراكة مع إحدى شركات التأمين وتتحمل الهيئة المزيد من المسؤولية في جميع مراحل العملية التأمينية، وبخاصة مرحلة تطوير المنتجات ويخطو نموذج الشراكة الكاملة خطوة إلى الأمام نحو تعزيز العلاقة بين البريد وشركات التأمين، مع التزام الطرفين بتحقيق النتائج أكثر من نموذج شراكة الوكالة.
في هذا النموذج، تشارك هيئات البريد بشكل أكبر في الأعمال التجارية، وتتحمل مسؤولية أكبر وتقوم باستثمارات أكبر. كما تلعب هيئات البريد دوراً أساسياً في عمليات التسويق والمبيعات والمطالبات. وعلى عكس النموذج الأول، يمكن لهيئات البريد المشاركة في مرحلة تطوير المنتج وتعديل منتج التأمين الحالي بحيث يتناسب مع احتياجات عملائه، وبالتالي تحمل المنتجات التأمينية الناتجة عن هذا النموذج علامة تجارية مشتركة كتأمين بريدي، في بعض الأحيان، كجزء من الشراكة، يمكن أن تتوقع هيئات البريد تلقى استثمارات في تكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية من الشركات الشريكة لها. وفى بعض الحالات، يتلقى موظفو البريد تدريبات تقدمها الشركة الشريكة.
• النموذج المتكامل – تقدم هيئة البريد المنتجات التأمينية الخاصة بها ، على عكس النموذجين السابقين، لا يحتاج نموذج التأمين الخاص إلى مشاركة شركة التأمين في العملية. البريد هو المسؤول الوحيد عن جميع الجوانب الخاصة بعرض المنتج التأميني. ويجب أن يكون لدى هيئة البريد خطة لاكتساب مستويات عالية من الخبرة الفنية والإدارية في مجال التأمين وأن يكون لديها كذلك البنية التحتية اللازمة لتكنولوجيا المعلومات للتعامل مع مثل هذا المشروع.
مما سبق يتضح أن نماذج الأعمال الثلاثة هذه تتضمن مشاركة هيئة البريد في العملية التأمينية بدرجات متفاوتة؛ وكلما زادت درجة مشاركة هيئة البريد كلما ازدادت نسبة الإيرادات المحتملة، فوجود المزيد من المسؤولية في العملية التأمينية يتيح لهيئة البريد الفرصة للتفاوض والمطالبة بحصة أكبر من الإيرادات في شراكتها مع شركات التأمين. وفى النوع الأخير من نماذج الأعمال تقوم هيئة البريد بتقديم المنتجات التأمينية الخاصة بها، وبالتالي تحتفظ هيئة البريد بجميع الإيرادات.
تجارب عالمية في مجال التأمين البريدي
التجارب الأوربية
1. المملكة المتحدة
مجموعة البريد الملكي البريطاني هي شركة خدمات البريد والبريد السريع في المملكة المتحدة، التي أنشئت في 1516. كان البريد الملكي خدمة عامة، تعمل كإدارة حكومية أو مؤسسة عامة، إلا أنه بعد صدور قانون الخدمات البريدية لعام 2011 تم طرح غالبية الأسهم الخاصة بمجموعة البريد الملكي في بورصة لندن في عام 2013. واحتفظت حكومة المملكة المتحدة في البداية بحصة 30 ٪ فيها لكنها باعت أسهمها المتبقية في عام 2015، منهية بذلك 499 عاماً من الملكية العامة.
إلى جانب تقديم خدمات البريد التقليدية تقوم البريد بتقديم الخدمات الخاصة ببطاقات الائتمان والحسابات الجارية والرهون العقارية والقروض الشخصية ومنتجات التأمين.. حيث تقوم بتقديم تأمين السفر وتأمين الحياة والتأمين على المسكن وتأمين السيارات والتأمين على الحيوانات الأليفة.
2. فرنسا
وافقت هيئة الرقابة الفرنسية على استحواذ شركة البريد المملوكة للدولة La Poste على شركة سي ان بي للتأمين CNP Assurances في محاولة لإقامة بنك وشركة تأمين تخضع لملكية الدولة وتركز على المناطق الريفية في البلاد.
وقد تم السماح لشركة الاستثمار المملوكة للدولة Caisse des Depots et Consignations والحكومة الفرنسية بنقل حصتها البالغة 42٪ في شركة سي ان بي للتأمين إلى البنك البريدي La Banque Postale
ومن خلال ذلك سيتاح لمكتب البريد الفرنسي فرصة التنويع بعيداً عن أعمال البريد التي تتسم بالانكماش، بينما ستتمكن شركة سي ان بي للتأمين من الوصول إلى عملائها ويمتلك البنك البريدي بالفعل حوالي 18% من شركة سي ان بي للتأمين
ويعد الاندماج بين البنك البريدي وشركة سي ان بي للتأمين هو محاولة من قبل الحكومة لضمان وصول الخدمات المصرفية والتأمينية إلى المناطق الريفية في الوقت الذي تغلق فيه البنوك الرئيسية فروعاً لها في الريف.
التجارب الآسيوية
1. الهند
تقدم هيئة البريد في الهند منتجات التأمين منذ عام 1884. وعلى الرغم من أنها لا تملك ترخيصاً محدداً من هيئة الرقابة على التأمين، فإن البريد يوفر التأمين لعملائه بموجب قانون البريد. وفى الوقت الراهن، يوجد لدى هيئة البريد بالهند منتجان للتامين وهما التأمين البريدي على الحياة والتأمين البريدي على الحياة الريفية.
وفي عام 1994، لاحظت اللجنة الرسمية للإصلاحات في قطاع التأمين أن عدد السكان المؤمن عليهم لا يتجاوز 22٪ فقط من حجم السكان الذين لديهم القابلية للتأمين في الهند، وبالتالي صدرت توصية بالسماح لهيئة البريد بتقديم منتجات التأمين في السوق الريفية. وجاءت هذه التوصية بناءً على ما ارتأته اللجنة من أن البريد من المؤسسات الموثوق فيها في المجتمع، كما أنه يتمتع بشبكة واسعة النطاق مما سيساعد في اتساع نطاق التغطية التأمينية والوعي بين سكان الريف.
ويرجع النجاح الذي حققته هيئة البريد في بيع منتجات التأمين إلى الخطوات التي تم اتخاذها لدعم وتعزيز فريق المبيعات وإعطائهم التدريب اللازم لصقل مهاراتهم التسويقية، بالإضافة إلى إنشاء قنوات مبتكرة للتفاعل مع العملاء. ولتحسين قنوات الاتصال مع العملاء، قامت هيئة البريد بتطوير البوابات الإلكترونية الخاصة بها، بالإضافة إلى إنشاء مركز اتصال للتعامل مع الخدمات. علاوة على ذلك، تم إنشاء 809 مركز معالجة مركزية في مكاتب البريد الرئيسية في الدولة للتعامل مع عروض التأمين وطلبات الخدمات والمطالبات.
2. كازاخستان
منذ عام 2011، قامت كازبوست (هيئة البريد الوطنية في دولة كازاخستان Kazpost) بإبرام اتفاقيات شراكة مع تسع شركات تأمين لتقديم خدمات الوكالة لمنتجاتها؛ وذلك استنادا إلى نموذج الأعمال الخاص بشراكة الوكالة. وبموجب هذه الشراكة بدأت كازبوست في إصدار وثائق التأمين نيابةً عن الشركات وفى مقابل ذلك يتم فرض رسوم على كل معاملة يتم إبرامها. يتم تقديم منتجات التأمين في 94 منفذ بريد، تمثل 2.8٪ من الشبكة البريدية بأكملها، واعتبارا من عام 2015 أصبحت تساهم بنسبة 0.12٪ من إجمالي إيرادات كازبوست.
اتسم هذا النموذج بسهولة التنفيذ نظراً لأن قانون البريد لجمهورية كازاخستان يسمح للبريد بتقديم خدمات الوكالة. علاوة على ذلك، لم تضطر كازبوست إلى أن تقوم باستثمارات كبيرة في شبكتها أو في الموارد البشرية.. وإنما كان التعديل الرئيسي المطلوب هو إنشاء برنامج لإصدار الوثائق نيابة عن شركات التأمين المختلفة. وبهذا يتم تقديم منتجات التأمين بجانب المنتجات المالية الأخرى التي تعد بالفعل جزءً من محفظة منتجات هيئة كازبوست. ومن خلال هذه الاتفاقيات، تمكنت شركات التأمين من الوصول إلى جزء من الشبكة البريدية وتمكنت من الوصول إلى أسواق جديدة، بما في ذلك المناطق الريفية. لم تضطر شركات التأمين إلى القيام باستثمارات كبيرة في البنية التحتية البريدية لتقديم منتجاتها.
تجسد الحالة الخاصة بكازبوست مدى سهولة نموذج شراكة الوكالة كما تلقى الضوء على المنفعة المتبادلة بين البريد وشركة التأمين؛ وأنه مع القليل من الاستثمار من كلا الطرفين، يمكن وضع النموذج وتحقيق الربحية.
التجارب الأفريقية
1. بوركينا فاسو
تقدم سونابوست (الشركة الوطنية للبريد بدولة بوركينا فاسو SONAPOST) خدمات التأمين لعملائها منذ عام 2005. وفى الوقت الحالي أصبحت تقوم بتقديم المنتجات التأمينية لاثنتين من شركات التأمين. حيث تقوم بإصدار وثائق التأمين وتحصيل الأقساط وصرف التعويضات من خلال جميع المنافذ البريدية البالغ عددها 108 في شبكتها. وفى كلتا الحالتين، بادرت شركات التأمين بتقديم فكرة التعاقد مع البريد ليكون وكيلهم. وقد رأت سونابوست في خدمات الوكالة هذه إمكانية لتنويع مصادر دخلها.
وتعد أحد العقبات التي تعوق المزيد من التوسع في بيع منتجات التأمين وفقاً لما ذكرته سونابوست هو عدم الوعي بفوائد ومزايا التأمين. ولا تزال هناك حاجة إلى وضع استراتيجية مناسبة لزيادة الوعي بين العملاء نظراً لنقص الوعي لديهم، كما انه من الممكن أن تكون المنتجات غير ملائمة لاحتياجات العملاء. ولمعالجة هذه المشكلات، تحتاج شركة البريد إلى الاستفادة من علاقتها مع العملاء من أجل تبنى الأساليب و/ أو المنتجات الملائمة للعملاء.
2. كينيا
بدأت مؤسسة البريد الكينية (PCK) في تقديم مجموعة متعددة من منتجات التأمين لعملائها من خلال منافذ البريد الخاصة بها بعد الموافقة على قانون البريد في عام 1999.
دخلت مؤسسة البريد الكينية في مباحثات مع العديد من شركات التأمين وأصبحت وكيلاً لثلاث شركات وكجزء من الاتفاقيات المبرمة مع هذه الشركات كانت مؤسسة البريد الكينية عن تسجيل عملاء جدد نيابة عن شركات التأمين وكذلك تحصيل الأقساط. تم تحديد نموذج الأعمال الذي سيتم تنفيذه بناءً على أساس بعض الأمور التنظيمية.. حيث أن قانون مؤسسة البريد في كينيا ينص على عدم قيام المؤسسة بوضع تصور لخدمات التأمين. لذلك، لا يمكنها العمل إلا كوكيل لشركات التأمين.
3. زامبيا
نظرت مؤسسة الخدمات البريدية في زامبيا (ZamPost) إلى التأمين كاستراتيجية بديلة للترويج للمنتجات الأخرى للبريد، وليس كمنتج موجود في محفظتها الخاصة وخلال سعيها في البحث عن استراتيجيات لزيادة الإيرادات ومحاولة البعد عن المنافسة في سوق تحويل الأموال في زامبيا، أبرمت مؤسسة البريد شراكة مع إحدى شركات التأمين لإضافة قيمة أخرى إلى خدمة تحويل الأموال من خلال الشراكة، حيث ستقوم مؤسسة البريد بتقديم تأمين مجاني على الحياة للعملاء الذين يبلغ إجمالي حجم معاملات التحويل لديهم أقل من 165 دولار أمريكي مع مبلغ تأمين 125 دولارأمريكى، وبالنسبة لأولئك الذين لديهم معاملات تحويل تتعدي 165 دولار أمريكي يتضاعف مبلغ التأمين إلي 250 دولار أمريكي.
وعلاوة على ذلك، تمكنت الشراكة من مساعدة شركة التأمين في التصدي إلى إحدى المشكلات التي كانت تتعرض لها الشركة، ألا وهي قنوات التوزيع الخاص بها. وبعد عام واحد من الشراكة ارتفع عدد الوثائق التي كانت تصدرها شركة التامين من 403 إلى 224483 وثيقة، وبالتالي كانت مؤسسة البريد هي المسؤولة عن 99٪ من هذا النمو.
مع نموذج الشراكة الكاملة، إلى جانب الوصول إلى أسواق جديدة، يمكن لشركات التأمين عادةً الاعتماد على مدخلات هيئات البريد في مرحلة تطوير المنتجات وفي أنشطة المبيعات، حيث سيؤدى ذلك إلى جعل موظفي هيئة البريد أكثر تحفيزاً واستعداداً للترويج لمنتجات شركة التأمين.
تجربة البريد المصري
في إطار دعم خطط الدولة الرامية إلى تحقيق الشمول المالي لمختلف فئات المجتمع وتوفير نماذج تأمينية مختلفة لكافة قطاعات الأنشطة الاقتصادية في مصر تم توقيع بروتوكول تعاون بين الاتحاد المصري للتأمين و الهيئة القومية للبريد ، و يستهدف البروتوكول تنويع قنوات توزيع التأمين على المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر سواء الجديدة أو القائمة وبرامج التأمين على الأفراد والأسر ونشر الوعي التأميني وتنمية المجتمع، والاستفادة من القدرات المادية والبشرية التي يمتلكها الاتحاد المصري للتأمين وشركاته الأعضاء واستثمار الإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها البريد المصري والمتمثلة في البنية التحتية والانتشار الجغرافي الواسع لمكاتب البريد، بالإضافة إلى تشجيع ثقافة التأمين و تحقيق الشمول المالي.
ويساهم هذا الاتفاق في الوصول بالمنتجات التأمينية وخاصة خدمات التأمين متناهي الصغر إلى شريحة أكبر من العملاء في مختلف المناطق والقرى والنجوع بكافة المحافظات من خلال الاستفادة من الانتشار الواسع لمكاتب هيئة البريد والتي يبلغ عددها نحو 4 آلاف مكتب بريد منتشرين في جميع أنحاء الجمهورية بما يضمن وصول خدمات التأمين متناهي الصغر لكافة المواطنين بكل سهولة ويسر.
كما قامت شركة مصر لتأمينات الحياة بتجديد التوقيع مع الهيئة القومية للبريد المصري لاتفاقية الشراكة التأمينية. ويتيح تفعيل هذه الشراكة توفير منتجات تأمينية تيسيراً على الأفراد في المحافظات والأقاليم للوصول لخدمات التأمين، والحصول على احتياجاتهم ومتطلباتهم التأمينية في مكان واحد، من خلال برامج وحلول تتميز بالمرونة والفعالية.
ومن المقرر توفير أربعة من أهم منتجات الشركة وهم: وثيقة مصر – استثمار، ووثيقة مصر – حماية واستثمار، ووثيقة مصر – الثلاثية، ووثيقة مصر – معاش.
رأي الاتحاد المصري للتأمين
أصبح الشمول المالى محور إهتمام كافة الجهات المالية الرقابية لتحقيق استراتيجية الحكومة للوصول إلى مختلف الشرائح من المواطنين، عبر تقديم المنتجات والخدمات المالية الرسمية بأسعار ملائمة.
و يلعب قطاع التأمين دوراً محورياً فى تنفيذ استراتيجية الشمول المالى وذلك من خلال توفير خدمات تأمينية تُسهم فى جذب الطبقات الأكثر فقراً، و التوسع فى إصدار وثائق التأمين متناهى الصغر، بالإضافة إلى تحفيز الشركات على التوسع الجغرافى فى المناطق النائية والمكتظة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
و يعتبر التأمين وخاصة «متناهى الصغر» أحد ركائز تحقيق الشمول المالي، ولكنه يواجه عدة تحديات أبرزها انخفاض الوعى التأميني، و صعوبة الوصول إلى الفئات المستهدفة من خلال قنوات التوزيع الإقليمى.
لذا يُعد من أبرز دعائم الشمول المالى تعاون قطاع التأمين مع هيئة البريد فى ترويج منتجاته عبر فروع البريد ، وخاصة فى ظل الشبكة الجغرافية الواسعة التى تتميز بها تلك المؤسسة، كما أن توفير الوثائق التأمينية فى هذه الفروع يمثل خدمة إضافية لعملاء البريد ، نظرا لما يمتلكه قطاع التأمين من المنتجات التى تتوافق مع أولئك العملاء.
التعليقات مغلقة.