تأتى الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى لجمهورية النيجر في سياق اهتمام السياسة المصرية في السنوات الأخيرة بتعزيز العلاقات مع دول القارة الأفريقية، وهو الاهتمام الذي تضاعف مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي اعتباراً من العاشر من شهر فبراير الماضي.
ويقول تقرير أعدته “الهيئة العامة للاستعلامات”: إن الرئيس السيسي، الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، سيحضر اجتماعاً تنسيقياً لقادة أفريقيا، طبقاً لما أعلنه الرئيس في 11 فبراير الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس ابابا، عقب تسلمه رئاسة الاتحاد الأفريقي حيث قال: “إن هذا العام هو الأول الذي لن يشهد قمة صيفية، لقادة الاتحاد الإفريقي، والتي سيستعاض عنها باجتماع تنسيقي على مستوى القادة، بنيامي، عاصمة دولة النيجر، بدعوة من الرئيس محمد أيسوفو رئيس النيجر”، وأضاف الرئيس، خلال المؤتمر الصحفي، الذي عقد بقاعة ويلسون مانديلا بمقر الاتحاد الإفريقي لإعلان توصيات القمة الأفريقية: “سيركز الاجتماع التنسيقي على النهوض بالتعاون الإقليمي، ويعقد على مستوى القمة بين ترويكا إدارة الاتحاد ورؤساء التجمعات الإقليمية الاقتصادية”.
وتشكل هذه القمة الأفريقية الاستثنائية التى تستضيفها عاصمة النيجر، يومى السابع والثامن من شهر يوليو الجارى، نقطة تحول فى مسار التعاون الاقتصادى لدول القارة السمراء، حيث سيتم إطلاق اتفاقية التجارة الحرة القارية – التى أقرتها برلمانات 24 دولة إفريقية من إجمالى 52 دولة موقعة عليها ودخلت حيز التنفيذ فى الثلاثين من مايو الماضى – حدثاً تاريخياً لأفريقيا تحت رئاسة مصر.
وتهدف منطقة التجارة الحرة القارية فى زيادة حجم التجارة البينية الإفريقية من 17 فى المائة الى 60 فى المائة بحلول عام 2022، وتقليص السلع المستوردة بشكل رئيسى وبناء القدرات التصنيعية والانتاجية وتعزيز مشروعات البنية التحتية بالقارة الإفريقية.
مصر والنيجر
يقول تقرير “الهيئة العامة للاستعلامات”: على المستوى الثنائي، فإن لقاء الرئيس السيسي برئيس النيجر “محمد إيسوفو” ليس هو اللقاء الأول، حيث سبق أن عقد الرئيسان لقاء قمة بينهما في أكتوبر عام 2015 في العاصمة الهندية نيودلهي على هامش مشاركتهما في أعمال القمة الثالثة لمنتدى “الهند-إفريقيا” بنيودلهي، كما قام رئيس النيجر بزيارة لمصر عام 2018، شارك خلالها في منتدى أفريقيا بشرم الشيخ.
علاقات متجذرة
تعود العلاقات بين مصر والنيجر في العصر الحديث إلى أكثر من نصف قرن، حيث ساندت مصر النيجر وأيدت حصولها على استقلالها من الاحتلال الفرنسى مثلما وقفت دوماً مع كافة حركات التحرر الأفريقية، وكان الرئيس الأول للنيجر وقائد استقلالها الحاج “هاماني ديوري” صديقاً مقرباً من الزعيم جمال عبد الناصر، حيث قام ديوري بزيارة تاريخية إلى مصر عقب استقلال بلاده، عبر خلالها عن اعتزاز بلاده بالروابط التاريخية القديمة مع مصر، والرغبة في استعادتها، بعدما عزل الاستعمار الفرنسي النيجر سنوات طويلة عن بقية شعوب القارة، وأكد الرئيسان تأييدهما المطلق لكافة الشعوب الأفريقية التي تناضل من أجل الاستقلال.
وقد بدأت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين مصر والنيجر عام 1969، حيث افتتحت مصر سفارتها على مستوى القائم بالأعمال، ثم تم رفع مستوى التمثيل على مستوى السفراء عام 1973، وتم تعيين سفير للنيجر بالقاهرة عام 1976.
وطبقاً لتقرير “هيئة الاستعلامات”، فقد قامت النيجر خلال حرب اكتوبر 1973 تنفيذاً، لقرار دول منظمة الوحدة الإفريقية، بقطع العلاقات مع «إسرائيل»، وعن العلاقات بين الدولتين يقول “سلام الموجري” الكاتب والباحث بالنيجر، “إن النيجر تربطها علاقات إخاء وتعاون بمصر منذ فجر الاستقلال عن فرنسا في العام 1960م، وأثار مصر وأياديها البيضاء شاهدة في النيجر على عمق ومتانة هذه العلاقة، وبرج “النصر”(مملوك لشركة النصر للاستيراد والتصدير المصرية) في قلب العاصمة نيامي والذي تم تدشينه عام 1967م لأكبر دليل، وكان أعلى مبنى في عموم النيجر وليس في نيامي فقط، والنيجر تؤمل الخير الكثير والنجاح الكبير لمصر في هذه الفترة الهامة والحساسة”، مضيفاً: “تأمل النيجر من مصر خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي 2019، معالجة القضايا العالقة وتلبية تطلعات الأمة الافريقية بمزيد من الاندماج وإزالة العقبات أمام مصالح ومنافع شعوب إفريقيا”.
وفي السنوات الأخيرة، توطدت العلاقات بين مصر والنيجر، وتوالت الاتصالات بين البلدين، كان أبرزها اللقاءات المتتالية بين الرئيسين السيسي وإيسوفو.
ففى 27 أكتوبر 2015، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، برئيس جمهورية النيجر محمد إيسوفو، وذلك على هامش مشاركتهما في أعمال القمة الثالثة لمنتدى “الهند-إفريقيا” بنيودلهي، وخلال اللقاء، أعرب رئيس النيجر عن “تطلع بلاده لتطوير العلاقات الثنائية مع مصر فى كافة المجالات، كما أعرب عن تقدير بلاده للدعم الفني الذي تقدمه مصر في مجالات التدريب وبناء القدرات، منوهاً في الوقت ذاته بالدور الذي يقوم به الأزهر الشريف في تعزيز الروابط الثقافية بين البلدين.
من جانبه، أكد الرئيس السيسي “حرص مصر على المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في النيجر، معربًا عن استعداد مصر لاستقبال مزيد من الكوادر النيجرية للمشاركة في برامج بناء القدرات التي تشرف على تنفيذها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في المجالات المختلفة، وذلك وفقاً لاحتياجات الجانب النيجري”.
وعلى صعيد مكافحة الإرهاب، “أكد الرئيس وقوف مصر إلى جانب النيجر، وإدانتها للأعمال الإرهابية التي تتعرض لها، مشيرًا إلى أهمية تعزيز الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، الذي يمثل تحدياً مشتركا للبلدين في الوقت الراهن… مشيدًا بدور الأزهر الشريف في نشر تعاليم الإسلام السمحة ومواجهة الأفكار المتطرفة والتيارات التكفيرية”.
كما تطرق اللقاء إلى الأوضاع الإقليمية في المنطقة، حيث أشار الرئيس “إيسوفو” إلى حرص بلاده على التنسيق مع مصر بشأن أهم القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصة فيما يتعلق بانعكاسات الأوضاع الأمنية في ليبيا على الأمن القومي للبلدين باعتبارهما دولتي جوار مباشر لليبيا.
وفي ديسمبر 2018، شارك رئيس جمهورية النيجر “محمد إيسوفو” في منتدى “إفريقيا 2018″ بشرم الشيخ، ووجه فى كلمته فى افتتاح المنتدى، التحية للرئيس السيسى والقيادة المصرية لتنظيم وعقد منتدى إفريقيا لعام 2018، مثمناً فى الوقت ذاته فكرة إنشاء منطقة الحرة للتجارة الإفريقية، وذلك بعد عملية طويلة من المفاوضات، مضيفًا أن هذا التجمع يُعد فرصة كبيرة لإرساء أسس تحقيق التكامل والنجاح فى إفريقيا”.
وفى مارس 2016 استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي السيدة “عائشة بومالا “وزيرة خارجية النيجر، وقد سلمت حينها الرئيس السيسى رسالةً من رئيس النيجر وجّه له خلالها الدعوة لحضور حفل تنصيبه، ونوهت الوزيرة إلى حرص الرئيس النيجري على إيفادها لتسليم الرسالة للسيد الرئيس تعبيراً عن عميق تقديره واحترامه للقيادة السياسية المصرية، وما حققته من إنجازات سياسية واقتصادية خلال فترة وجيزة، وقد رحب الرئيس بوزيرة خارجية النيجر، وطلب نقل تحياته وتهنئته للرئيس النيجري “محمدو إيسوفو” بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية، مؤكداً حرص مصر على المشاركة في حفل التنصيب بوفد رفيع المستوى.
وقد حرص الرئيس إيسوفو على لقاء فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، خلال مشاركته بمؤتمر السلام العالمي الذى عُقد فى سبتمبر 2017 فى مدينة مونستر بألمانيا، وأشاد إيسوفو خلاله بخطاب فضيلة الإمام الأكبر في مؤتمر “طرق السلام”، مقدِّراً حديث فضيلته عن المسلمين كما وجه رئيس النيجر الدعوة لشيخ الأزهر لزيارة بلاده.
كما التقى وزير الخارجية “سامح شكري” مع وزير خارجية النيجر “كالا أنكوراو”، على هامش الاجتماعات التمهيدية للقمة الأفريقية الاستثنائية المنعقدة فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الفترة من 14 إلى 18 نوفمبر 2018، لبحث سُبل تعزيز العلاقات الثنائية والقضايا الأفريقية ذات الاهتمام المشترك، وأشاد الوزير سامح شكرى بالعلاقات التاريخية بين مصر والنيجر، معرباً عن تقدير مصر للأهمية الكبيرة التى تحتلها النيجر فى منطقة الساحل الأفريقى ذات الاتصال المباشر بالأمن القومى المصري، فضلاً عن موضوعات الاتحاد الأفريقي، وثمن شكرى الجهود التى تقوم بها حكومة النيجر لإنعاش اقتصاد بلادها، وتشجيع الاستثمار، مشيراً فى هذا الصدد إلى استعداد مصر للمساهمة فى اقتصاد النيجر من خلال الشركات المصرية العاملة فى الدول الأفريقية، كما أكد على اهتمام مصر بالتعاون مع الأشقاء فى النيجر فى مجال بناء القدرات، كما أكد على اهتمام مصر بتعزيز التعاون مع الأشقاء فى النيجر فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة فى منطقة الساحل، مستعرضاً الجهود المصرية فى هذا الشأن.
علاقات تجارية واقتصادية
تناول تقرير “الهيئة العامة للاستعلامات” العلاقات التجارية بين البلدين مشيراً إلى أن السيارات ومستلزماتها تتصدر واردات النيجر من مصر، ثم المخصبات الزراعية والزيوت والعطور، والمعدات الطبية وغيرها.
وتأمل البلدان خلال الفترة القادمة فى مضاعفة حجم التجارة بينهما والتى لا ترقى إلى العلاقات والقواسم الكبيرة المشتركة بين البلدين، حيث يجمعهما عضوية العديد من المنظمات والاتحادات الدولية والإقليمية، كما أن النيجر عضو أساسى فى مفوضية الاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب أفريقيا (الايموا) والذى يُعد أحد أهم محاور التوجه المصري لتدعيم العلاقات الاقتصادية من خلال بوابة غرب أفريقيا، وكذلك النيجر عضو فى الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، والذى تتمع فيه مصر بصفة عضو مراقب.
التعليقات مغلقة.