الإثنين, 23 ديسمبر 2024 | 1:31 مساءً

إتحاد المصارف العربية وإتحاد الدولي للمصرفيين العرب يعقدان أول منتدى حضوري وإفتراضي في بيروت

بحضور نحو 200 شخصية مصرفية واقتصادية من كافة الدول العربية عقد اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب منتدى تحت عنوان “مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة فى مكافحة غسل الأموال”، بحضور حشد كبير من قيادات مصرفية عربية وأسواق البورصات العربية وبعض البنوك المركزية العربية، حيث شارك فيه أكثر من 250 شخصية على مستوى رؤساء مجالس الإدارات والرؤساء التنفيذيين من كل من مصر، والكويت، وسلطنة عمان، والعراق، والسودان، وليبيا، والأردن إلى جانب لبنان يوم الجمعة 18 كانون الثاني/ ديسمبر 2020 في فندق موفنبيك، بيروت.

تحدث في حفل افتتاح فعاليات المنتدى الأستاذ وسام فتوح، الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، والدكتور جوزيف طربيه، رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، وعبد الحفيظ منصور، الأمين العام لهيئة التحقيق الخاصة بلبنان، وياسين جابر، نائب بالبرلمان اللبناني، والسفير حسام زكى، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية.

الأستاذ وسام فتوح:
استهل حفل الافتتاح الملتقى الأستاذ وسام فتوح الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، بكلمة رحب فيها بالوفود العربية القادمة من مصر وليبيا، والعراق والسودان والأردن وفلسطين والكويت وسلطنة عمان وقطر، والتي حرصت على مشاركتنا هذا اللقاء رغم هذه الظروف الصعبة، وأتقدّم بشكر خاص إلى الحكومة اللبنانية، وبالأخصّ وزارات الخارجية والداخلية والصحة، وكافة الأجهزة الأمنية اللبنانية على ما قدّموه من دعم معنوي ولوجستي، وكافة التسهيلات اللازمة لإستقبال ضيوفنا الأشقاء العرب، وتأمين عقد هذا اللقاء ضمن معايير السلامة الدولية والمعايير المعتمدة في لبنان.

وأضاف: لقد هالنا ما يواجهه بلدنا الحبيب لبنان من تراكم أزمات غير مسبوقة، بدأت ظلالها في الفصل الأخير من العام الماضي مع بروز أوضاع سياسية معقّدة، وبلغت ذروتها مع توقف لبنان عن تسديد ديونه الدولية لأول مرّة في تاريخه، على الرغم من توفر احتياطات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان تجاوزت آنذاك الــــ 22 مليار دولار، واحتياطي من الذهب يقدّر بما يقارب 20 مليار دولار، مما تسبب بانهيار المنظومة الاقتصادية، وتدهور سعر الليرة اللبنانية، وتزايد الضغوطات على ميزان المدفوعات. وفي ظلّ هذا النفق المظلم الذي دخل فيه لبنان، حصلت كارثة إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس الماضي، الذي أودى بضحايا أبرياء، وآلاف الجرحى، وتهجير وتشريد آلاف العائلات، وتدمير نصف المدينة، وخسائر بمليارات الدولارات.

وقال: إننا في إتحاد المصارف العربية نؤمن بلبنان التاريخ والحضارة والعلم والإنفتاح، ونؤمن بدوره العربي الجامع، ونتطلّع إلى عودة هذا الدور الرائد والعريق ضمن العائلة العربية وأمام المجتمع الدولي، ونقدّر عالياً استضافته واحتضانه لمقرّ الإتحاد منذ أكثر من 45 عاماً حيث رسّخ سعادة الدكتور جوزف طربيه هذا الإيمان، بتثبيت الحجر في الأرض، وإرتفع به صرحاً شامخاً في قلب بيروت العزيزة اطلق عليه البيت المصرفي العربي.

واعتبر الأستاذ فتوح بأن لا الأزمة اللبنانية، ولا جائحة كورونا المستجدة إستطاعا أنّ يعطّلا عمل الإتحاد، فالأزمة والجائحة بدلا من أولوياتنا ولم تجمدا نشاطاتنا، حيث قمنا بتكثيف الدراسات والأبحاث، وتجميع البيانات المصرفية والقانونية العربية لأكثر من 10 سنوات، وبلغ عدد المواد القانونية التي تمّ تبويبها أكثر من 54 ألف مادة قانونية ضمن الموسوعة القانونية والتشريعات المصرفية العربية، التابعة للإتحاد وأكثر من 224 دراسة بحثية بمختلف أنواعها، تناولت: جائحة كورونا، والقطاعات المصرفية العربية، والمصارف الإسلامية، وترتيب المصارف بحسب مؤشرات مالية أساسية، ودراسات وأبحاث حول: الشمول المالي – التحويلات المالية وتجنّب المخاطر – الإمتثال – الإقتصاد العالمي – التكنولوجيا المالية والتحوّل الرقمي.

كما قمنا بتحديث أساليب التدريب في مواجهة الجائحة، والعمل على تطوير شامل للبنية التحتية للمعلوماتية التابعة للإتحاد، تضمنت تطويراً كبيراً لموقع إتحاد المصارف العربية على الشبكة العالمية، وتمّ الاتفاق مع شركة عالمية كبيرة تقدّم خدمات المنصّات الإلكترونية والتواصل المرئي على عقد نشاطات الإتحاد إلكترونياً: وهي مرحلة أطلقنا عليها: Digital Transformation of UAB Activities

كما أشار الى انضمام الإتحاد في هذا العام إلى عضوية المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للسياحة – دعماً منه لتنشيط السياحة العربية-العربية؛ بالإضافة إلى إنضمامه إلى مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة الذي يترأسها صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز.

كما أوضح الأستاذ فتوح بأن الإتحاد انشأ وحدة جديدة ضمن جهاز الأمانة العامة تحت مسمى: وحدة التحول الرقمي “UABdigital”. ووقعنا مذكرات تفاهم وشراكات مع أكبر 12 شركة في العالم تقدّم خدمات للتكنولوجيا المالية Fintech، بهدف النهوض بإستراتيجيات التحوّل الرقمي في المصارف الأعضاء لدى الإتحاد، وبناء القدرات للكوادر المصرفية، وتمّ توقيع أيضاً إتفاقية مع المعهد العالمي للإبتكار Global Innovation Institute في مجال التدريب والتطوير، والتي لديها شهادة معتمدة دولياً.

الدكتور جوزف طربيه:
أشار رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية ورئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه، إلى أن “المجتمع الدولي يولي في وقتنا الحاضر موضوع العقوبات أهمية قصوى، وخاصة في ضوء التحديات والتغييرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، وما تتطلبه من مواكبة على صعيد آليات عمل السلطات التشريعية والرقابية والأمنية والمؤسسات المالية، وفي ضوء الهشاشة الاقتصادية في بعض الدول التي تجعل من العقوبات اكثر وجعاً وتزيدها ايلاماً الآثار المدمّرة الناتجة عن جائحة كورونا التي غيرت وجه الاقتصادات وهزت الاستقرار العالمي”.

وخلال كلمته في حفل افتتاح منتدى “مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة في مكافحة غسل الأموال”، أفاد طربيه بأنه “لا يخفى على أحد أن العقوبات الاقتصادية وما يتتبعها من تجميد للأصول وتحقيقات مالية وجنائية، باتت تستخدم اليوم كسيف مسلّط وسلاح مدمّر على دول العالم كله، تلجأ اليه الدول العظمى للدفاع عن مصالحها السياسية والاستراتيجية بديلاً عن اللجوء الى حروب طاحنة تكبّدها خسائر بشرية وأضرار كبيرة، ويساعدها في ذلك إمساكها بالمفاصل الأساسية للاقتصاد العالمي”.

كما أكد أنه “من أبرز هذه العقوبات اليوم، نذكر خمسة قوانين عقوبات واجراءات كبيرة، منها قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، قانون ماغنيتسكي للمساءلة حول حقوق الإنسان، قانون باتريوت Patriot Act ومكافحة أعداء أميركا الذي يتيح فرض عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا”، مشدداً على أن “الاتحاد الاوروبي أقر الاسبوع الماضي “خطة عمل لحقوق الإنسان والديموقراطية” وهو إطار جديد للعقوبات يمكن استخدامه في حالات التعذيب والعبودية أو العنف المنهجي، الخ…”.

ولفت طربيه إلى أنه “سيعاقب المسؤولون عن مثل هذه الانتهاكات بحظر دخولهم إلى الاتحاد الأوروبي وتجميد أصولهم في أوروبا، كما هي الحال مع جميع أنظمة العقوبات المعمول بها في الاتحاد الأوروبي. ولدى الاتحاد الأوروبي حاليًا أنظمة عقوبات خاصة بدول معينة مثل تلك الخاصة ببيلاروس أو روسيا، وثلاثة أنظمة محددة للمعاقبة على استخدام الأسلحة الكيميائية والهجمات الإلكترونية والإرهاب”.
وأوضح أن “المعلوم أن العقوبات الاقتصادية تنتج مخاطر سمعة كبرى للدول بشكل عام، وللمصارف والمؤسسات المالية بشكل خاص قد تؤدّي الى زوالها من الوجود، تحت شعارات كبرى مثل مكافحة الفساد وغيرها. وقد تتسبب العقوبات على المصارف والمؤسسات المالية بتنامي ظاهرة صيرفة الظل (Shadow Banking)، حيث تبرز مشكلة جديدة تتجلى في ظهور قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة”.

كذلك أشار إلى أن “الحل الموضوعي في هذا المجال يتطلّب تشدداً أكثر في الرقابة الداخلية والتوسّع في المعلومات والمعطيات الهادفة إلى تطبيق أشمل لقاعدة “إعرف عميلك”، وتوسيع آليات التنسيق والتعاون ما بين القطاع المصرفي والسلطات الرقابية والقضائية والأمنية. كما تؤدي العقوبات الى ما يعرف بالتهميش المالي (Financial Exclusion) لفئات كثيرة من المجتمع ما يعيق تقدمها وازدهارها”.

وفي سياق متصل، تساءل طربية “أيها السيدات والسادة، اين نحن امام كل ما يحصل؟ يقع عالمنا العربي في عين اللعبة الدولية حيث تتفجر فيه وحوله الصراعات الجيو- سياسية، فمن تصعيد العقوبات على حزب الله وتوسيعها، الى الحرب في ليبيا، الى الصراع في اليمن ولا ننسى بالطبع الحرب في العراق وسوريا وهذه الاخيرة هي من أهم الحروب في القرن الواحد والعشرين. هنا تجد المصارف والمؤسسات المالية العربية نفسها في قلب الحدث، وفي ساحة المعركة، وهنا تجد السلطات الرقابية والسلطات الامنية والقضائية نفسها في مواجهة مع المنظمات والافراد الذين يستخدمون القنوات المالية للوصول الى اهدافهم”.

وأفاد بأنه “من المعروف أيضاً أن هذه الإشكالية باتت تثير قلق جميع المعنيين من مختلف الجهات الرسمية والخاصة. فبتنا ننام على إجراء أو رزمة من الإجراءات ونستفيق على رزمة جديدة من الإجراءات والتشريعات والقوانين، وأصبح هذا الأمر يشكّل هاجساً للجميع، وأصبح علينا جميعاً العمل على متابعة تلك التطورات، والسعي لفهم الإجراءات المفروضة وإستيعابها والإلتزام بها”.

وأشار إلى أنه “بالنسبة للبنان الذي واجه عام 2020 احداثاً غير مسبوقة ومتلاحقة على صعيد العقوبات المالية نتيجة تصعيد الادارة الاميركية وتعميمها سياسة فرض العقوبات، ففرضت عقوباتها على مصرف جمال ترست مما ادى الى خروجه من السوق المصرفية، كما تناولت العقوبات المالية ايضاً مسؤولين كبار سابقين في الحكومة اللبنانية بادعاء تعاونهم مع حزب الله او بتهم الفساد”.

ولفت طربيه إلى أن “كل ذلك اضافة الى ما يعانيه لبنان من توقفه عن دفع ديونه الخارجية، وما تبعه من انهيار اقتصادي وتراجع العملة الوطنية، وانحراف البلد مؤقتاً الى الاقتصاد النقدي، مع ما يحمله هذا النوع من الاقتصادات من مخاطر وتحديات؛ الا ان القطاع المصرفي اللبناني تابع اداءه ضمن بيئة سياسية واقتصادية وقانونية صعبة، واتخذ تدابير طوارىء في لبنان بالنسبة لتصعيب الحركة الحرة للتحويلات”.

بموازاة ذلك، أكد طربيه أن “القطاع المصرفي اللبناني استطاع تأمين استمراريته واستمرارية فروعه خارج لبنان العاملة في اكثر من 30 بلداً مع ميل بارز الى الانكفاء المنظم والخروج من عدة اسواق من خلال بيع بعض الفروع الخارجية او اقفالها. كما استمر البنك المركزي اللبناني واجهزة الرقابة ومكافحة تبييض الاموال في تأدية مهامها العادية، بما يجنّب لبنان مخاطر تراجع السمعة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية المتأزمة”.
وأكد على أنه “لاتحاد المصارف العربية تاريخ طويل في تنسيق الجهود لحماية القطاع المالي الاقليمي والاقتصاد الاوسع من مخاطر تسرب الاموال القذرة. إننا في إتحاد المصارف العربية، والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، سنحرص دائماً على إعطاء موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الأهمية القصوى، بإعتباره من أخطر المشكلات التي تؤثر على مسار المهنة المصرفية العربية، وعلى العلاقات بين قطاعنا المصرفي العربي، والمؤسسات الرقابية الدولية”.

الأستاذ عبد الحفيظ منصور:
ثم تحدث الأستاذ عبد الحفيظ منصور، امين عام هيئة التحقيق الخاصة في لبنان وأوضح: إن مسألة العقوبات الإقتصادية، وإن إزداد تطبيقها خلال العقد الأخير إلاّ أنها ليست بجديدة، فقد بدأت تاريخياً من خلال اشكال “الحصار” الذي كانت تفرضه الجيوش والأساطيل لفرض إرادتها السياسية، وبسط الهيمنة والتمدد الخارجي دون اللجوء الى المعارك العسكرية المكلفة وغير مضمونة العواقب.

ولعل العقوبات الأكثر تأثيراً هي تلك المتعددة الأطراف الصادرة عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهي ملزمة التطبيق على جميع الدول الأعضاء فيها، ومثالاً على ذلك العقوبات الصادرة بموجب القرار 1267 في العام 1999 ضد تنظيم القاعدة، والذي تم توسيع نطاقه في العام 2015 ليشمل تنظيم داعش.
وهناك عقوبات متعددة الأطراف صادرة عن الإتحاد الأوروبي (European Union) وهي واسعة النطاق أيضاً، وهناك عقوبات أحادية الجانب (unilateral) تصدر عن دول معينة، كالعقوبات الصادرة عن الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا مثلأً.

وقد تسارعت وتيرة العقوبات في العقد الأخير أكان من المرجعيات الدولية او إفراديا من دول معينة لاسيما من الولايات المتحدة ألأمريكية.
ففي العام 2011 أدرجت الولايات المتحدة البنك اللبناني الكندي على لوائح العقوبات، مما أدى الى توقف البنك عن العمل خلال أسابيع قليلة، وقد علمنا فيما بعد من المسؤولين في الخزينة الأميركية أنه أصابتهم الدهشة من النتائج السريعة لقرارهم هذا. وفي السنوات التي تلت بتنا نرى منحىً تصاعدياً لاستعمال سلاح العقوبات الإقتصادية الذي أضحى إحدى الأدوات الأساسية للسياسات الخارجية للدول الكبرى لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والشواهد على ذلك معروفة للجميع.

ولعل العقوبات التي تصدر عن الولايات المتحدة هي الأكثر غزارة، و قد تكون حسب الحالة بناءً للقوانين الأميركية المعنية مثل:
• الفقرة 311 من الـ USA PATRIOT ACT
• قانون HIFPA-I و HIFPA-II
• قانون قيصر (Caesar Act)
• International Emergency Economic Powers Act (IEEPA)
• قانون ماغنتسكي (Magnitsky act) وغيرها
بعد صدورها، يقوم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية OFAC بتنفيذ ومراقبة تطبيق قرارات العقوبات ولأجل حسن التنفيد يصدر المكتب تعاميماً توضيحية لضبط آليات وصرامة الإلتزام بالعقوبات الأولية والثانوية (Secondary sanctions ) التي تطال أشخاصاً من جنسيات أجنبية وعمليات حاصلة خارج الولايات المتحدة الأميركية.
بالنسبة للجهات المتلقية والمتأثرة بهذه العقوبات من مصارف ومؤسسات مالية، يتوجب الأخذ بالإعتبار مسائل عدة أهمها:
1) التوفيق بين القوائم المختلفة ودمجها وتطبيقها خلال إجراءات العناية الواجبة وعند إجراء العمليات.
2) تطبيق قوانين وأنظمة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والحصول على معلومات دقيقة ومحدثة عن العملاء والعمليات.
3) التحقق من هوية الأشخاص إن كانوا يمثلون أنفسهم أم أنهم أشخاص الظل لآخرين (Shadow individuals) ، وهنا تبرز أهمية تحديد صاحب الحق الإقتصادي أو المستفيد الحقيقي (Beneficial owner) بشكل دقيق.
وقد تكون الوسيلة الأنجع لمراعاة المسائل الآنفة الذكر هي باعتماد برامج التزام متكاملة وفعالة، تحقيقاً لموجبات الإمتثال ترتكز على الأسس و المبادئ التالية:
(1) إلتزام إداري رفيع المستوى، أي وجود قرار إداري صادر من قمة الهرم الإداري، أي من مجلس الإدارة، وهذا الأمر يقع في صميم المتطلبات الرقابية ومبادئ الحوكمة الرشيدة، ويساهم في إرساء ثقافة الإمتثال في المؤسسة ككل، وفي تعزيز الإجراءات الداخلية لدى المصرف ويحميها من مخاطر عدم الإمتثال.
(2) تقييم المخاطر (Risk Assessment) الدي يجب ان يبنى وينطلق من مخاطر البلد ككل كما خلصت اليه دراسة “التقييم الوطني لمخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في الدولة” ويسقط ذلك على الخدمات و العملاء و جغرافية الأعمال. تدمج جميع هذه العناصر في دراسة المخاطر العائدة للمصرف وهي المقاربة المعروفة ب الـ Risk Based Approach أو المقاربة المبنية على المخاطر لتحديد مخاطر المنتجات و العملاء و مناطق العمليات ، و في جزأية من هدا العمل تبرز مخاطر الإستمرار في العلاقة مع المصارف المراسلة وضرورة المحافظة عليها.
(3) ضوابط داخلية فعالة (Internal controls) للتأكد من حسن تطبيق القوانين والأنظمة وإجراءات العناية الواجبة على العمليات، بالإضافة إلى توثيق المستندات الداعمة والتقارير اللازمة.
(4) إجرآت المراجعة والتدقيق (Testing and auditing) للعمليات والإجراءات.
(5) التدريب (Training) المستمر للموظفين والإداريين للتأكد من معرفتهم للمستجدات والإتجاهات وأبرز التطورات ذات الصلة.
إن لاعتماد وتطبيق هذه المبادئ والأسس دور أساسي وهام في إقامة واستمرارية التعاملات مع البنوك المراسلة، كما هي هامة بالنسبة للهيئات الرقابية، التي تتوقع من المؤسسات المصرفية:
(1) أن تكون على علم دائم بكافة المسائل المتعلقة بالعقوبات الدولية والإلتزامات المتصلة بها.
(2) الإمتثال بمتطلبات العقوبات السارية.
(3) إعتماد وتطبيق الأنظمة والضوابط الداخلية المناسبة ومراجعتها بشكل مستمر للحد من المخاطر.
(4) عدم تجاهل الأماكن والجهات المصنفة ذات مخاطر منخفضة.
(5) عدم الإعتماد بشكل تام على وسطاء للقيام بإجراءات العناية الواجبة على العملاء.
(6) التأكد من تدريب الموظفين على المسائل المتعلقة بالعقوبات وأبرز المؤشرات ذات الصلة.
قد تكون المسألة الأدق في موضوع العقوبات والإمتثال هي في ايجاد درجة من التوازن بين موجبات الإمتثال من جهة ومراعاة المتطلبات التجارية والربحية من جهة أخرى وهنا تكمن أهمية فهم وتحديد المخاطر بشكل صحيح، والقيام بإجراءات العناية الواجبة تماشياً مع المعايير الدولية، والحدّ من ظاهرة الـ De-risking، التي تؤدي في الكثير من الأحيان إلى الإنسحاب من بعض العمليات أو الخروج من أحد الأسواق أو القطاعات مما يفوت فرصاً للدخل.

وختم: في عصر العولمة الذي نعيشه تغيّر مفهوم السيادة والحدود، وبات القطاع المصرفي العالمي وحدة مترابطة، لها نظمها وقواعدها الواجب إلتزامها واحترامها، وحيث أن القطاعات المصرفية تتمتع ببعض أوجه السيادة داخل حدود الدولة، إلا أنه وفي نفس الوقت، هناك موجبات على القطاع المصرفي تجاه النظام المالي العالمي، وفي حال الإخلال بتلك الموجبات تفرض عليه قيوداً قد تبدأ بزيادة كلفة خدمات المصارف المراسلة للمصارف، وتتدرج لتصل الى قطع التعامل. وقد يتطور قطع التعامل مع مصرف واحد الى مقاطعة المصارف العاملة في بلد معين، وهذا الأمر وارد في كل الأوقات.
الأستاذ ياسين جابر:

ثم تحدث الأستاذ ياسين جابر، عضو لجنة المال والموازنة البرلمانية فشكر القيّمين على الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب على مبادرتهم بالدعوة إلى هذا المنتدى في هذا الزمن الصعب الذي يعيشه العالم.

وقال: هذه ليست المرّة الأولى التي يعقد هذا المنتدى في لبنان، كما هي ليست المرة الأولى التي أتشرّف بحضوره والمشاركة بفعاليّاته، ولكن انعقاده هذا الزمن وهذا الوقت وفي هذه الظروف وفي بيروت له معاني ودلالات خاصة. فهو اولاً يعود بنا إلى العالم الواقعي بعد أن قضينا الأشهر الماضية نشارك بالمنتديات والمؤتمرات من خلال العالم الافتراضي.
كما أنّ انعقاد المنتدى في بيروت بالذات بعد كل ما حصل ويحصل في لبنان والأزمة المصرفية التي يعيشها القطاع المصرفي اللبناني هو رسالة دعم معنوي وتأكيد على دور بيروت في عالم المال والمصارف. فشكراً جزيلاً على هذه المبادرة.

كما يعقد المؤتمر لمناقشة مخاطر العقوبات والتعامل مع القضايا الحرجة في مكافحة غسل الأموال، وهذه مواضيع ساخنة، يعيشها ويعاني منها العالم في هذا العصر وبحاجة للنقاش والتعمّق في مخاطرها – الخطوات المطلوبة لمعالجة إنعكاساتها، ولم يعد بالإمكان أن نرطم رؤوسنا في الرمال بل علينا القيام بكل ما هو ممكن لأجل التصدّي لهذه المخاطر.
لقد أصبحت العقوبات سلاحاً فتّاكاً يدمّر مستقبل أفراداً وكيانات ويركع دول.

وتوسّع إستعمال هذا السلاح بشكل مذهل فلا يمضي يوم إلا يعلن فيه عن عقوبات عن أفراد أو كيانات أو دول، وفي هذه الأيام أصبحت ما يُسمّى بالحروب الناعمة التي تخاض من خلال سلاح العقوبات في بعض الأحيان أخشن وأكثر فعالية من الحروب التي تخاض بالأسلحة الثقيلة.
وقد ختم: لقد تسنى لي أن أتعرّف أكثر وأكثر على العقوبات وعن مظاهرها على وسائل مكافحة غسل الأموال، بعد أن تفشت هذه الظاهرة، وذلك من خلال عملي التشريعي في المجلس النيابي.
السفير حسام ذكي:

ثم تحدث سعادة السفير حسام ذكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية فاعتبر أن انعقاد هذا المنتدى اليوم في بيروت وسط ظروف نعلم جميعاً مدى صعوبتها واستثنائيتها يحمل رسالةً مهمةً بأنّ هذا البلد العزيز لديه من إرادة العمل والبناء ما يجعله قادراً على تسيير عجلة الحياة وسط أصعب الظروف فالرصيد الأهم في لبنان يبقي إرادة اللبنانيين ومحبتهم الهائلة للحياة وإيمانهم الشديد بوطنهم رغم التحديات. إنه رصيدٌ رائع بحق، ولكنه ليس بلا حدود فدعونا نأمل ألا ينفذ قبل أن يخرج لبنان من أزمته ويستعيد وجهه الذي نعرفه ويستعيد أبناؤه ثقتهم فيه وفي اقتصادهم وجهازهم المصرفي بعد كل ما حدث وجميعنا يعلم أن الثقة تُبنى في وقتٍ طويل، وبجهدٍ جهيد، ولكنها تُفَقَدُ سريعاً لذلك نقول إن بداية العلاج ينبغي ألا تتأخر لأن مشوار استعادة الثقة لن يكون قصيراً أو هيناً.

وأود أن أنوه بالاختيار الحكيم لموضوع المنتدى هذا العام.. فجريمة غسل الأموال هي جريمة تابعة لجريمة أخرى سبقتها، إذ يعتبر غسل الأموال خطوة لاحقة لنشاط غير مشروع كالجريمة المنظمة أو الرشوة أو التهرب الضريبي وغير ذلك مما تحصلت منه أموال غير مشروعة.

ولا يخفى على أحد منا أهمية مكافحة غسل الأموال في مكافحة الجريمة بشكل عام.. إذ أدرك القائمون على مكافحة الأنشطة الإجرامية أنه في ظل صعوبة التحري عنها، يتيح تعقب الأموال فرصة فريدة لكشف هوية من جمعوها.. فالأموال دائماً ما تترك أثراً يمكن تعقبه. ومصادرة الأموال غير الشرعية تعد في حد ذاتها ضربة موجعة لأولئك الذين اتخذوا من الجريمة أو الفساد مصدراً للثراء

إن منطقتنا العربية تواجه تحديات جسام في مجال مكافحة غسل الأموال، فبالإضافة إلى التحديات التقليدية كضعف السيطرة على عمليات التهريب على الحدود، وضعف التشريعات، وقلة العناصر البشرية المؤهلة، هناك تحديات أخرى جديدة معقدة، فرضها الواقع الذى نعيشه.

واسمحوا لي أن أشير هنا إلى ثلاثة أمور هامة هي:
الأول: أن الفكر الإجرامي لغسل الأموال يتنامى ليتأقلم مع ما تتيحه العولمة وثورة المعلومات من سهولة في انتقال الأموال.. فالشبكات الإجرامية تسعي إلى الاستفادة من كل ما تتيحه التكنولوجيا كالعملة الافتراضية والتمويل التشاركي وتطبيقات التحويل الفوري، لتطوير نشاطها، مستفيدة في ذلك من الثغرات التي يتيحها النظام المالي القائم.
الثاني: أن بعض دولنا العربية مرت للأسف الشديد بأزمات وجودية. وشهدت أحداثاً جسيمةً خلال العقد المنصرم عصفت بمقومات الدولة. واستولت مجموعات إرهابية على السلطة المحلية. بل وأقامت تحالفات مع الشبكات الإجرامية العابرة للحدود لبيع كل ما يمكن بيعه من بشر وآثار ومخدرات وبترول. إن الأمر يحتاج في تلك الدول وبشكل سريع إلى حلول سياسية تنهي حالة الاحتراب، وتعيد قوام الدولة من خلال خطط محكمة لإعادة بناء قدراتها علي أسس سليمة.
الثالث: أن قوى عظمى صارت تتوسع مؤخراً في فرض معايير جديدة في قوانينها الداخلية توجب على جميع الدول اتباعها. وأنها وسعت -بداعي مكافحة الإرهاب وغسل الأموال – من نطاق اختصاص قضائها الوطني ومجال تطبيق قوانينها الداخلية ليتجاوز حدودها الجغرافية بشكل يعتبره البعض مساساً بسيادة الدول وأداة للضغط على الحكومات وعقابها. ولذلك فقد يكون من المهم التفكير سوياً فيما يتوجب فعله لضمان تجنيب أنظمتنا المالية الآثار الجانبية لتلك الممارسات.
السيدات والسادة،
أولت الدول العربية هذا الموضوع اهتماماً خاصاً إذ انخرطت مبكراً في الجهود الدولية لمكافحة غسل الأموال، بانضمامها إلى اتفاقية فيينا لمكافحة المخدرات، وكذا اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.

وفى عام 2004، قررت حكومات 14 دولة عربية إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتعمل على غرار مجموعة العمل المالي الدولية. وقد انضمت لاحقاً بقية الدول العربية لعضويتها لتصبح حالياً 21 دولة.

وإدراكاً لخطورة ما ينتج عن غسل الأموال وعلاقته الوثيقة بتمويل الإرهاب، واقتناعاً منها بأهمية وضع صك عربي يعزز التعاون بين أعضائها، صادقت الدول العربية عام 2010 على الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال، والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد.
كما أعدت الجامعة العربية وبالتعاون مع فريق من القانونيين العرب القانون الاسترشادي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والذى صادق عليه مجلس وزراء العدل العرب عام 2013.

وفى هذا السياق، أشير إلى أن فريق الخبراء العربي المعني بمكافحة الإرهاب اجتمع في فبراير 2020 وأصدر مجموعة من التوصيات الهامة في البند الخاص “التحديات المتعلقة بتمويل الأعمال الإرهابية”.

إن جرائم غسل الأموال تحتم على الدول العربية مزيداً من التعاون وتبادل الخبرات لتعزيز تعاونها البيني في مكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية وتطوير مؤسساتها الوطنية داخلياً لتتأقلم مع تطور الجريمة المالية. وهو ما يستدعي تعاوناً أفقياً مفتوحاً لتشكيل مجموعات عمل مشتركة تتعاون فيها الجمارك والشرطة والقضاء والمصارف والدبلوماسية.
وفي ختام اعمال افتتاح المنتدى تم تكريم الأستاذ محم الاتربي برئيس مجلس الاداراة بنك مصر، ورئيس اتحاد بنوك مصر بدرع الاتحاد تقديرا لنيله “جائزة فخر العرب 2020” التي منحته إياها اكاديمية جوائز التميز – دبي والتي تمنح عادة لشخصيات الأكثر تأثير في الاقتصاد والتنمية الشاملة.

التعليقات مغلقة.